كتبت في مقالي السابق عن الصعوبات التي تواجه صناعة الألعاب في منطقتنا و سأكمل الحديث في هذا المقال عن التجارب التي سبقت في هذا المجال، حيث ظهرت مبادرات في الثمانيات الميلادية ثم تبعتها بعض الجهود في التسعينيات و غيرها في العقد الذي تبعه، وسأبدأ الكلام عن “صخر” و “العالمية” و سأختم كلامي بالحديث عن بعض المطورين سواء من الأجانب أو غيرهم ممن هم بيننا كما سأعرض محاولاتهم في تطوير و تسويق ألعابهم لدينا.
صخر و العالمية
إن كنت ممن ولد في السبعينات أو أوائل الثمانيات فقد تذكر جهاز “MSX” أو ما كان يطلق عليه اسم “صخر” والذي كان يباع في السعودية وبعض الدول العربية الأخرى، لقد كان ذلك الجهاز من إنتاج اليابان و قد وصل إلينا عن طريق مجموعة من الشركات التي قامت بشراء حقوق التوزيع و إعادة الإنتاج في أسواق متفرقة وكانت صخر و العالمية هي إحدى تلك الشركات، كما كانت العالمية تصنع الكثير من الألعاب التعليمية و الثقافية على هذا الجهاز و لكن للأسف غاب صوتهم ولم نعد نجد لهم حضوراً في ساحة الألعاب الإلكترونية هذه الأيام وبظني أن الأسباب ترجع لعدم نضوج سوق الألعاب الإلكترونية في ذلك الوقت.
التعريب و إمارة دبي
بالإضافة للتجربة السابقة كانت هناك تجارب عدة لترجمة بعض الألعاب إلى العربية كما تفعل “جيم باور سيفين” و “تحدي“ اللتان تستقران في دبي، في الحقيقة ليس لدي إحصائيات كافية عن مدى فاعلية ما يقومون به في السوق؛ لكني لا أسمع صيتاً لألعابهم كما كنت أسمع بألعابٍ كلعبة “ترافيان“ مثلاً والتي أظن أن شهرتها و دَخلها في المنطقة هو ما بدأ يعطي الدلائل على قوة سوق الألعاب هنا.
“ترافيان“ هي لعبة استراتيجية بسيطة في العرض و عميقة في الميكانيكا حيث أنها لا تتطلب جهاز قوي و لا تعرض إلا إحصائيات و معلومات على الشاشة و مع ذلك بلغ مستخدموها أرقاماً عالية جداً في المنطقة العربية و يرجع ذلك للواجهة العربية المستخدمة فيها إضافة لكون اللعبة ممتعة و مناسبة لنمط الحياة لدينا. في وقت كتابة هذه المقال بلغ عدد اللاعبين في ترافيان من السعودية ٨٦٢٧١ و في الامارات ٣٢١٩١ لاعباً و بلغ في مصر ٢٤٤٠٧ لاعباً، هذا و قد أعرب مدير العلاقات العامة أن القوة الاستيعابية لترافيان هي أكثر من مليون و نصف لاعب في نفس الوقت [١]، و هذه اللعبة قد تكون هي أنجح لعبة تم تعريبها إلى الآن.
المطورون خارج الخليج
أثناء دراستي حاولت أن أقوم ببعض البحث عن شركات لتطوير الألعاب في المنطقة العربية و ذلك ليطمئن قلبي على تخصصي الذي كنت أتخصص به ، و في تلك الأثناء لم أجد إلا شركات صغيرة في مصر و الأردن يعملون بنظام الخدمات إذ أنهم يصنعون الألعاب للعملاء من الشركات و ليس للنشر العام و ذلك كان الحل السليم لهم في ذلك الوقت، و وجدت أيضاً شركة أخرى في سوريا باسم “أفكار ميديا” و التي نشرت بعض الألعاب مثل “تحت الحصار” و “قريش” و التي لم تنشر في السعودية بسبب مواضيعها السياسية و التاريخية الحساسة ، لا أعلم ماذا حدث بالشركات الصغيرة المتفرقة و لكن لا أظن أنها استطاعت الصمود أمام الطلب المتدني من الشركات للألعاب و غلاء أسعار الإنتاج ، أما “أفكار ميديا” فقد وقعت في مشاكل تسويقية أدت لضعفها و تغيير اسمها التجاري إلى “فلافل جيمزFlafel Games” و التي لا تزال حديثة الميلاد.
و نستطيع القول أن هناك شركة واحدة في مصر يجدر بنا الحديث عنها بكل فخر وهي “تايم لاين انترأكتف Timeline Interactive” و التي صنعت لعبة “سيل فاكتور: سايكوكينيتيك وارز CellFactor: Psychokinetic wars” و التي نشرتها شركة “يوبي سوفت Ubisoft” ، ونحن ننتظر آمالهم المستقبلية على أحر من الجمر. (تصحيح: وصلني أن تايملاين انترأكتف قت توقفت عن نشاطها)
وفي الآونة الأخيرة أصبحت الأردن بيئة خصبة لإنشاء المشاريع التقنية و ذلك لقلة الوظائف و كثرة الشباب المتعلم يدعم هذا النظام الحاكم الكامل هناك لهذه التحركات مادياً و معنوياً فظهرت هناك الكثير من الشركات التقنية الناشئة علية الجودة و كانت صناعة الألعاب نصيب من هذه الشركات ، فظهرت “كويركات Quirkat” و “ويزاردز Wizards” و “ميزالورد Maysalward” و “أرانيم Aranim” و غيرها من الشركات التي اجتمع بعضها لتكوين “جيمنج تاسك فورس Gaming Task Force” و هي تحالف لشركات تطوير الألعاب في الأردن و التي تهدف لجعل الأردن المركز رقم واحد في المنطقة العربية لتطوير الألعاب بالتعاون مع صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية و حاضنة “إنتاج int@aj” في الأردن ، وفي الوهلة الأولى نرى أن جميع العناصر أصبحت متوفرة في الأردن لبدئ صناعة لتطوير الألعاب ، لكن تظل هناك المشكلة الأكبر و هي التسويق ، المملكة العربية السعودية خاصة و دول الخليج و مصر هم السوق الأقوى، و النجاح هناك هو الفيصل للمطورين ولكن كما رأينا سابقاً في “أفكار ميديا” يظل النجاح محدوداً إن لم يحدث في هذه الدول ، و من خلال لقائي بالكثير من الشركات في الأردن أجد أني مطمئن لوضعهم لأنهم وصلوا لمرحلة نضوج كافية للتسويق في مختلف المناطق العربية و غير العربية.
كما ظهر في الآونة الأخيرة بعض المطورين من لبنان حيث أصدرت شركة “ويكسيل Wixel” لعبتها القتالية التي تحتوي على المرشحين للرئاسة في الانتخابات القادمة في مصر وقد قام بعض المطورين هناك بنشر لعبة لقيت اعجاب الجميع على الآيفون “بيردي نم نم Birdy Nam Nam” و التي حققت رواجاً كبيراً على مستوى الوطن العربي.
المطور الأجنبي و السوق المحلي
اكتشفت بعد حديثي مع بعض المطورين الأجانب عن ترجمة ألعابهم للعربية وجدت أنهم يواجههم الكثير من الصعوبات، فغلاء أسعار المترجمين والهالة السوداء التي تحاصر مجتمعنا بالنسبة لهم بسبب انغلاق مجتمعاتنا عن العالم الخارجي و الذي جاء بسبب ضعف تواجدنا إعلامياً و بسبب عدم كفاءة أنظمة القضاء في المسائل المعلوماتية و الحقوق؛ فيرى المطور الأجنبي في نهاية المطاف أن إصدار ألعابهم بالعربية في منطقتنا أمراً مخيفاً و مكلفاً و مليئاً بالمخاطر بالنسبة لهم، لا سيما و أن معظم الألعاب التي تم تعريبها إلى الآن لم تحظى بالرواج الكبير، و لذلك لا ألومهم على موقفهم هذا فكيف تثق بسوق ألعاب هنا خاصةً وأن المطورين المحليين لم يثقوا فيه، و نزيد على ذلك أن أرقام المبيعات مشتتة بالنسبة للألعاب الإلكترونية ففي المنطقة تتوفر الأجهزة و الألعاب المخصصة للبيع في أوروبا و آسيا و أمريكا و لكن في الحقيقة إن المبيعات في المنطقة تحسب فقط للألعاب المخصصة للبيع في أوروبا بالنسبة لسوني و مايكروسوفت و الأمريكية بالنسبة لننتيندو و هذا ما يجعل الدخول في مغامرة التسويق هنا أكثر خطورة.
و حتى نكون إيجابيين فعلينا الإقرار أن هناك مبادرات من أكبر ناشر ألعاب في العالم EA بنشر لعبة فيفا 2011 Fifa في المنطقة العربية باللغة العربية للواجهات و التعليق كما تبعتهم Konami بإعلان إصدار نسخة خاصة بالعربية من لعبتها لكرة القدم PES 2011 أو ما كان يلقب قديماً بالدوري الياباني أو وننج إليفين Winning Eleven و هنا يجب التذكر أن هذه لا تزال مخاطرة بالنسبة لهم و لكن كلاهما من أكبر الناشرين في العالم و ميزانياتهم تسمح لهم بهذه المخاطرة.
الأمل لألعاب أكثر جدية و “الركاز“
وفي خطوة جديدة قام فريق عمل مهتم بتطوير الألعاب في السعودية يدعى – سمافور – بالبحث عن مستثمر جريء و قد وجدوه فعلاً – سما نور –و بدأ العمل على سلسلة جديدة من الألعاب في السعودية باسم “الركاز“ بقيادة مخرج اللعبة أحمد جاد الله، و من المتوقع أن تصدر الحلقة الأولى من اللعبة “على أثر إبن بطوطة” في نهاية صيف ٢٠١١ لتكون على منصات عدة منها الاكس بوكس و البلايستيشن ٣ وأجهزة الجوال الذكية و المتصفحات و غيرهم، كما تتوفر الآن نسخة الفيسبوك و هي جاهزة للعب، و قد تكون هذه اللعبة هي المقياس الحقيقي لقوة سوق الألعاب السعودي و العربي الحديث و قد تفتح هذه اللعبة الباب أمام الكثيرين للاستثمار الجريء في المطورين المحليين للألعاب الموجهة لللاعبين الجديّين Hardcore Playersو ليس لهواة الألعاب Casual Players ولذلك نتمنى لهم كل التوفيق و النجاح ، و الجدير بالذكر أيضاً هو المطور عبدالله كونش الذي يحاول حالياً نشر لعبته فرقة النانو في متجر اكسبوكس للمطورين المستقلين XBLIG و لكنه يواجه صعوبات لعدم دعم المتجر للمحتوى العربي و لذلك ستنشر لعبته باللغة الإنجليزية فقط على الاكسبوكس و نتمنى له أيضاً كل التوفيق .
المشكلة و الفرصة
أنا لا زلت أرى أن البدء بالمشاريع الصغيرة و وتهيئة بيئة مناسبة لإمداد السوق بمطورين للألعاب لفترة طويلة الأمد وبشكل دائم هي الطريقة السليمة للتعامل مع سوقنا الناشئ، حتى و إن نجحت المشاريع الفردية الآن؛ فنحن بحاجة لأن تنجح المشاريع المشابهة بشكل أكبر و أكثر و لذلك يجب حل المشاكل و العوائق التي ذكرتها في مقالتي السابقة. فبسبب تلك المشاكل و العوائق نجد القدر القليل من المبرمجين و الرسامين و الكتّاب و غيرهم من الذين يتقنون استعمال الأدوات اللازمة لتحويل مهاراتهم إلى صورة ربحية، فالمبرمجون لا يتقنون استعمال محركات الألعاب ، و مصممي الألعاب لم يتثقفوا في كيفية صناعة تجربة ممتعة و الرسامون فضلوا التخصص في مجالات أخرى كما فعل الكتّاب بعدم تخصصهم في القصص التفاعلية. قد يتحدث البعض أن للجامعات دور في هذا و أن عدم وجود تخصصات في الجامعات تهيئ الطلاب لهذه الصناعة هو سبب هذا النقص و لكني مؤمن أن ذلك رمياً للمسؤولية على غير وجه حق و أذكرهم بكيف بدأت هذه الصناعة في السبعينات، فلم تكن في تلك الأيام جامعات و لا تخصصات لهذا العمل و لكن بعض الأشخاص وجدوا فرصة و اقتنصوها، كما نذكرهم بالجامعات الكبيرة في أنحاء العالم الآن و كيف أن القليل فقط منهم لديه بعض الدروس عن صناعة الألعاب، و أقل من ذلك جامعات سمحت بتخصصات كاملة تتعلق بهذه الصناعة.
فبعد أن حددت المشاكل التي تواجه المطور و المنتج في السعودية خصوصاً و الوطن العربي عموماً، و قيامي بدراسة التجارب السابقة و الحالية في السوق من المطورين المحليين و الأجنبيين، حان الوقت لإيجاد الفرصة في هذه البيئة حيث بدأت قصة مشروعي: تاكو الألعاب الذي أنشأته ليتسنى لي استعماله في المستقبل كمنصة نشر لألعابي أو ألعاب غيري عن ليكون بوابة لها، و لكني سأتحدث أكثر عنه في مقالتي القادمة.
ختاماً
هذه رؤيتي بشكل مختصر عن التجارب في سوق الألعاب المحلي من قبل المطور الأجنبي و المحلي ، و كالعادة إن كنت تظن أنني لم أتطرق لشيء أو كنت تختلف معي في بعض الحلول فأرجوا نقاشها معي في التعليقات، و إن أخطأت فتصحيح معلوماتي مرحب به.
One thought on “حال صناعة الألعاب في المنطقة العربية”